“شراكة وليس بيعًا للأصول”- استثمار إماراتي بعشرات المليارات في مصر!
أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الجمعة (23 شباط/فبراير 2024) أن الإمارات العربية المتحدة ستضخ “35 مليار دولار استثمارات مباشرة” في غضون شهرين في مصر التي تعيش واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود، في واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ البلاد. وأكد رئيس الوزراء أن هذه الحصيلة الدولارية “ستستخدم في حل الأزمة الاقتصادية” و”ستساهم في حل” مشكلة النقد الأجنبي في مصر، التي تجد صعوبة في توفيره لتأمين احتياجاتها من الواردات وسداد ديونها الخارجية البالغة 165 مليار دولار، وفي السيطرة على مشكلة “وجود سعرين للدولار”، أحدهما رسمي في المصارف والآخر في السوق السوداء ويبلغ نحو ضعف السعر الرسمي.
وأوضح مدبولي أن هذه الاستثمارات ستضخ بموجب اتفاق تم توقيعه الجمعة بين الحكومتين المصرية والإماراتية لـ”تنمية 170,8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة” على البحر المتوسط بشمال غرب مصر. وأضاف مدبولي أن مشروع رأس الحكمة هو شراكة وليس بيعًا للأصول، والذي يضمن ضخ استثمارات أجنبية مباشرة، وسيعمل على توفير ملايين فرص العمل للشباب ، وسيضع مصر على خريطة السياحة العالمية، على حد تعبيره، مؤكدًا حرص مصر على تنفيذ مشروع مدينة رأس الحكمة في أسرع وقت ممكن، موضحًا أن الهدف أن تكون رأس الحكمة مدينة عالمية تستقطب نحو 8 ملايين سائح.
وأكد رئيس الوزراء المصري أنه “بعد أسبوع ستأتي 15 مليار دولار مباشرة” من الإمارات، من بينها 10 مليارات دولار سيتم تحويلها مباشرة، إضافة الى 5 مليارات دولار هي جزء من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي المصري تبلغ قيمتها الاجمالية 11 مليار دولار”. وأضاف أن الدفعة الثانية من التدفقات الاستثمارية سيتم ضخها بعد شهرين “وتبلغ 20 مليار دولار من بينها 6 مليارات هي بقية وديعة الامارات لدي البنك المركزي”.
وأكدت شركة “القابضة- QDQ” وهي شركة استثمارية قابضة، وأصغر صناديق الاستثمار السيادية الثلاثة الرئيسية في أبوظبي، في بيان أنها ستستثمر 35 مليار دولار في مصر. وقالت الشركة أنها “ستستحوذ على حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة لتصبح واحدة من أكبر مشاريع تطوير المدن”.
كما أكدت الشركة الإماراتية أنه سيتم “تحويل 11 مليار دولار (إلى ما يعادلها من العملة المصرية) من الودائع، سيتم استخدامها للاستثمار في مشاريع رئيسية في جميع أنحاء مصر لدعم نموها الاقتصادي”. وأضافت الشركة أنه من المتوقع أن يبدأ العمل في المشروع في عام 2025.
وقال مدبولي إن إجمالي قيمة المشروع الذي يقضي بإنشاء مدينة متكاملة تتضمن منطقة سياحية كبيرة ومرسى للسفن السياحية الكبيرة، إضافة إلى مطار دولي ستديره الإمارات، تبلغ 150 مليار دولار. ويتضمن المشروع أحياء سكنية وفنادق عالمية ومشروعات ترفيهية ومنتجعات سياحية ومنطقة حرة خدمية وحيًا مركزيًا للمال والأعمال، كما يضم مدينة دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية، وسوف يتم تطوير وإنشاء مطار دولي جنوب مدينة رأس الحكمة، بحسب تصريحات “مدبولي”. أزمة اقتصادية حادة وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164,7 مليار دولار، وفقًا للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام. ودفع نقص العملة الصعبة في البلاد بنك “جي بي مورغان” في وقت سابق من الشهر الجاري إلى استبعاد مصر من بعض مؤشراته. كما خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرة إلى مخاوف بشأن التمويل الخارجي والفارق بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق الموازية. ويبلغ سعر الدولار الرسمي حاليًا حوالي 31 جنيهًا، في حين يصل إلى حوالي 70 جنيهًا في السوق الموازية. ويتزامن استحقاق بعض الديون الخارجية هذا العام مع اضطراب الملاحة في البحر الأحمر بسبب هجمات اليمنيين الحوثيين على السفن على خلفية الحرب في قطاع غزة، ما أثّر سلبًا على قناة السويس التي تشكل عائداتها أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي في مصر والتي انخفضت بنسبة تراوح بين 40 و50%، بحسب الرئيس المصري. وسجّلت تحويلات المصريين بالخارج التي تشكّل المصدر الأول للنقد الأجنبي في البلاد، بدورها انخفاضًا خلال الربع الأول من العام المالي 2023-2024 بنسبة ناهزت 30 في المئة مقارنة بالمدة نفسها من العام المالي السابق. ووقعت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي في نهاية العام 2022 للحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار، ولكنها لم تحصل إلا على الشريحة الأولى منه وقدرها 347 مليون دولار. وتأجل صرف الشرائح التالية عدة مرات بسبب خلافات بين مصر والصندوق حول برنامج الإصلاح الهيكلي ومطالبة الصندوق خصوصًا بسعر صرف مرن وبخفض حصة الدولة والجيش في الاقتصاد. وأخيرًا، أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيتم التوصل خلال أسابيع قليلة إلى اتفاق مع مصر بشأن المراجعتين الأولى والثانية لاتفاقية القرض واللتين تم تأجيلهما عدة مرات العام الماضي.
وتحتاج مصر الى سيولة دولارية لتتمكن من رفع قيمة عملتها الوطنية، وهو شرط رئيسي لصندوق النقد الدولي، وللقضاء على السوق السوداء التي نشأت بسبب شح الدولار وعجز المصارف عن توفيره للمستوردين والأفراد. ومنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2013، قدمت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات إلى مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. لكن حزم المساعدات هذه توقفت إلى حد كبير في العامين الماضيين، واختارت دول الخليج ربط الدعم بإصلاحات السوق الحرة والحصول على استثمارات مربحة في بعض من أكبر الأصول قيمة في مصر.