كنوز منسية وتاريخ من القدرات العلاجية.. الأحجار الكريمة فى البحر الأحمر سيرة تستحق أن تروى
تحقيق / عرفات علي : شهدت منطقة الصحراء الشرقية تدشين أول خريطة تعدينية على مستوى العالم، والفضل فى ذلك يرجع إلى المصريين القدماء. فبداية العمل على هذه الخريطة، التى منحت اهتماما أساسيا لخام الذهب، من منطقة «الفواخير» الواقعة على طريق «القصير» بالبحر الأحمر والمؤدى إلى مدينة «قفط» فى «قنا».
كانت هذه الخريطة إيذانا بحسن استغلال خام الذهب فى تزيين معابد المصريين القدماء، وكحلى لنسائهم. كما كانت لهم بصمات أخرى فى مجال الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، التى استخدموها فى تطعيم الحلى إلى جانب استخدامها كعنصر مساعد فى العديد من العلاجات، وفقا للمعتقدات الطبية القديمة. فما هى حكاية تلك الأحجار؟ وأين وجدت؟ وهل من أمل فى عودتها مرة أخرى؟ يقول المهندس جيولوجي أحمد الطوخى إن «الفراعنة» لم يكن ولعهم مقصورا على الذهب، بل كان لهم باع طويل فى استخراج واستخدام الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. وقد جادت عليهم منطقة الصــــحراء الشـــرقية بتلك الخامات النفيسة. ويضيف الطوخى موضحا: «كان أبرز من استخدم هذه الأحجار، هو توت عنخ آمون، الذى وظفها لأغراض الزينة. وكان يعتقد بأن الأحجار الكريمة تشفى بعض الأمراض. وارتبط ذلك بأحجار الفيروز التى عثر عليها بأحجام مختلفة ضمن مقتنياته الجنائزية. وكذلك كانت علاقته بأحجار الزمرد المصرى، التى تمتاز بلونها الأخضر الداكن والعميق».
ويكمل الطوخى راويا ومستشهدا: «كم كانت الملكة كليوباترا شديدة الولع بالزمرد وتكثر من منحه ولعة به ودائما ما تمنحه كهدايا للمقربين. ويوجد حجر الزمرد المحبب للملكة القديمة فى «وادى الجمال» بمرسى علم، وتحديدا في جبل ومعبد «سكيت»، ومنطقة «زبارة»، وهى مناطق تجمع بين سمات «المحمية الطبيعية» والمواقع الأثرية. وبخلاف استخدامه فى تطعيم الحلى، كان يعتبر «الزمرد» مساهما فعالا فى علاج أعراض «الزهايمر» ويساعد على تحسين المزاج. وينتقل الطوخى إلى خامات «الفلوريت»، وهى من أجمل الأحجار شبه الكريمة، لامتيازها ببريق زجاجى شفاف وبألوان الطيف السبعة. يوجد «الفلوريت» على هيئة عروق مصاحبة لعروق «الكوارتز»، التى يستخرج منها «الذهب». ويوجد فى عدة مناطق ما بين جبال البحر الأحمر جنوبا، وأسوان. ويستخدم فى تصميم الحلى، والعدسات فائقة القدرة، مثل تلك المستخدمة فى صناعة «التليسكوب» و«الكاميرات». ويعتقد أن لها قدرات خاصة فيما يخص طاقة جسم الإنسان، وجلب الهدوء والراحة النفسية.
وهناك أيضا، وفقا للطوخى، حجر «الأمازونيت»، وهو حجر شبه كريم، يشتهر بجماله الفائق، ومنه الشفاف ونصف الشفاف، وأحيانا يتوافر منه المعتم، مع خلفية ذات لون أبيض. وعرف هذا الحجر فى مصر منذ القدم، حيث عثر عليه بالحلى فى كثير من المقابر المصرية، وتحديدا بمقبرة «توت عنخ آمون». وتكررت التأكيدات بخصوص قدراته لعلاج الكلى، وضمان النوم الجيد، ومنع هشاشة العظام. كما كان لأحجار «الكوارتز» شبه الكريمة استخدامات عديدة، خاصة مع القطع ذات اللون البنفسجى. جلبها «الفراعنة» من سلسلة جبال «البحر الأحمر»، و«أسوان». وكان يعتقد فى قدرتها على أن تزيد الذكاء، وتخفف المتاعب النفسية، ومنع الأرق.
ويطالب الطوخى الهيئات المعنية بدراسة فتح هذا الملف المهم، ودراسة المناجم التى كان يستخرج منها ومعرفة احتياطياتها وجدواها الاقتصادية. خاصة أن مصر أصبحت وجهة تعدينية بعد توجه الدولة لاستغلال خامات الذهب فلابد أن يتلاقى طريق الذهب مع الأحجار الكريمة بما يزيد من دعم الاقتصاد القومى وخلق فرص عمل جديدة بالمنطقة.
من جانبه، يقول الدكتور جيولوجى أبو الحجاج نصير، الخبير البيئى المعتمد من وزارة البيئة، إن البطالمة أيضا استغلوا مناجم الأحجار الكريمة، خاصة «الزمرد» على نطاق واسع، وتحديدا فى منطقة «سكيت»، و«زبارة» بصحراء «مرسى علم». وهناك 12 نوعا من «الزمرد»، وتأتى نوعية الزمرد المصرى فى المرتبة الثالثة عالميا، بفضل الجودة الفائقة. وتعتبر منطقة «سكيت» شاهدا على هذا التميز، لوجود ثلاثة معابد مزينة بأعمدة من «الزمرد».وعن «الزبرجد» يقول نصير، إنه يحظى بجزيرة تسمى بـ «الزبرجد» قبالة «مرسى علم»، حيث تم اكتشاف الحجر الكريم قبل 1500 عام قبل الميلاد. فعند العثور الأول على هذه الأحجار الخضراء فائقة الجمال، تم عرضها على «الملكة برنيس»، إحدى ملكات مصر. ولاحقا، بدأت أعمال الحفر والتنقيب فى الجزيرة ليتم اكتشاف كميات من الخام الذى شغفت به الملكة كليوباترا. وفى مطلع القرن العشرين، بدأ اهتمام الأوروبيين بالزبرجد الموجود بالمنطقة، التى حظيت بزيارة الملك فاروق على متن اليخت الملكى «فخر البحار» عام 1944.
الاهرام اليومى