“ليالي السكينة: رحلة موسيقية مغربية لفرقة بن عربي تجمع فنانين من مختلف دول العالم و شويخ من ارض مكناس وجهتهم الأولى
أصدرت فرقة “بن عربي” المرموقة في فن الموسيقى الصوفية بالمغرب، والتي أُسست على يد الدكتور أحمد الخليع قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما، برنامجا غنائيا تحت عنوان “ليالي السكينة”، هذا البرنامج الفريد من نوعه يسعى إلى إعادة إحياء أسلوب السماع الصوفي بروح جديدة، من خلال توظيف قصائد من تراث شعراء التصوف والشيوخ الذين نبغوا في فن التسامح والمحبة الإلهية، وهي فكرة فنانها الموهوب، عبد الله المنصور الخليع، قامت الفرقة بتقديم مقدمة مبهرة للبرنامج من خلال زجلية “شويخ من أرض مكناس”، للإمام مولانا ابي الحسن علي الششتري، والتي تُعدّ الخيط الأول في نسج هذا البرنامج الفني الصوفي الراقي، ويتمثل الهدف الرئيسي لهذا العمل الفني في تجسيد أعمق المعاني الروحية والفلسفية المنحوتة في هذه القصائد، التي تتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية لتعبر عن رسالة الوجود الإلهي.
ومن خلال مزجها المتقن بين المقامات الروحية والموسيقى الحديثة، نجحت الفرقة في إيصال رسالتها الفنية بشكل ملهم ومبتكر، مما جعلها تبرز كواحدة من روافد الإبداع في تراث الموسيقى الصوفية المغربية، وتسليط الضوء على عمق الفكر الصوفي المغربي وتأثيره الفني في المشهد الثقافي الإسلامي، واكتشاف عن جوانب الحكمة والروحانية التي تكتنزها تلك القصائد، والتي لا يمكن فهمها سوى بواسطة أولئك الذين يتمتعون بالبصيرة الروحية والفطنة العميقة، كما يشير إليه مولانا محيي الدين بن عربي، أحد عمالقة التصوف.
تتجسد فرقة “بن عربي” كمثال بارز على القدرة الشافية للموسيقى والفن في مواجهة التحديات الشخصية وتحويلها إلى رسائل ملهمة للعالم، ويمكن للفن الصوفي أن يكون وسيلة للتعبير والتخفيف عن الألم، وهذا ما جسده أعضاء فرقة “بن عربي”، فقد تم اختيار اسم “ليالي السكينة” للبرنامج الروحي الذي قدمته الفرقة، تكريما لذكرى الفقيدة، شقيقة الموهوب عبدالله المنصورالخليع، التي فارقت الحياة بسبب مرض السرطان الخبيث، وقد قرر منشد هذه الفرقة “عبدالله المنصور الخليع” تسمية البرنامج على اسمها “سكينة”، لتخليد ذكراها وتكريما لروحها، كما تمثل السكينة في السماع الصوفي رمزا للسلام والهدوء والتأمل، تعد هذه الخطوة الإبداعية في اختيار الاسم للفرقة وبرنامجها تعبيرا عن القوة الروحية للفن، وقدرته على تجاوز الألم والمحن وتحويلها إلى فن ينطق.
“ليالي السكينة” إذن حدث موسيقي متميز يحمل في طياته رحلة فنية استثنائية، تميزت فيه فرقة “بن عربي” بقدرتها على دمج الأصوات والآلات الموسيقية بطريقة متقنة، مما يخلق مزيجا فريدا من التراث الموسيقي، تتنوع أساليب العزف والأنغام في أعمال الفرقة، مما يجعل كل عرض موسيقي تجربة فريدة ومثيرة للاهتمام. وتسعى هذه الفرقة إلى تقديم فن يعكس الهوية الثقافية المغربية الصوفية بأسلوب معاصر يحترم التقاليد ويستحضر الجمالية والروحانية في نفس الوقت. تتميز أعمال الفرقة بالعمق، مما يجذب جمهور متنوعا وواسع النطاق.
وفي خبر صدمة لعشاق هذا الفن و الموسيقى، أعلن الفنان “عبدالله المنصور الخليع” عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك عن قراره النهائي بالاعتزال الفني، وذلك بعد مرحلة “ليالي السكينة” التي تعتبر المحطة قبل الأخيرة له قبل الاعتزال، تأتي هذه الخطوة بعد مسيرة فنية حافلة قضاها عبدالله المنصور الخليع في عالم الموسيقى، حيث قدم أداء استثنائيا ومميزا طوال سنوات عديدة. وقدم عبدالله المنصور الخليع إسهامات مهمة في تجسيد روح الفن والتعبير الفني عن الثقافة والهوية المغربية، وأشار إلى أن مشاركته في مرحلة “ليالي السكينة” كانت من بين مشاركاته الأخيرة، حيث وجد في هذه التجربة فرصة لتقديم أداء فني يعكس الجوانب العميقة والروحانية لمساره الفني، ويبقى عبدالله المنصور الخليع شخصية فنية محترمة وموهوبة، حيث ترك بصمة قوية في عالم الموسيقى، وسيظل إرثه الفني محفورا في ذاكرة عشاق الفن للأجيال القادمة